لعل الوصف الأدق لما يحصل داخل المصارف بعدما فقدت عامل “الثقة” التي يقوم عليها العمل المصرفي أساساً وتحوّلت إلى “أوكار صيرفة” يستفيد منها قسم من موظفيها “المحظيين” هو ما جاء في بيان اتحاد نقابات المهن الحرة الصادر بتاريخ ٢٧ أيلول ٢٠٢٢ من “رفضه لإضراب المصارف المموّه من خلال إسدال الستار وإقفال الأبواب الأمامية بوجه معظم المودعين ومنعهم بالتالي من تسيير أمورهم الحياتية الأساسية وبالمقابل، فتح الأبواب الخلفية خلسةً لبعض المحظيين والنافذين لتنفيذ عملياتهم المشبوهة”.
إزاء هذا التمادي “الجرمي” المؤسف في الافتئات على حقوق المودعين يطالعنا بيان “اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان” الصادر أمس في ٢٩ أيلول وتصريحات رئيسه “جورج الحاج” الداعية إلى الرد بالإضرابات والاعتصامات ومنها اعتصام يوم الأربعاء ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٢، باعتبار “أمن وسلامة المصرفيين خط أحمر”، متناسياً (عن قصد هذه المرة) أن “حقوق المودعين” هي من باب أولى “الخط الأحمر الوحيد” في معادلة سرقتها البشعة الحاصلة والتي يضع الحاج من أجلها ــ لغايات تصبّ في صالح استمرار السرقة والإفلات من العقاب باتت مكشوفة ــ موظفي المصارف في مواجهة المودعين أصحاب الحق، فيما هم في الواقع أقرب إلى المودعين.
ليس هذا فحسب، بل يسترسل الحاج بالإعلان عن “الإخبار الذي تم تقديمه ضد مجهول من قبل الاتحاد” في وقت أعلن عدد من المودعين ومحاميهم من تحالف متحدون مسؤوليتهم على الملأ عن التحريض ضد المصارف وأصحابها بسبب هول الجرائم بل “الفظائع” التي يرتكبونها بحق المودعين بتواطؤ من بعض القضاء والذي بدأنا نرى تصدٍّ له من قبل بعض القضاة أنفسهم. فرق كبير بين صاحب حق يعمل في الضوء ولص يعمل في الخفاء ويستنجد بالقضاء من فرط وقاحته.
في المحصلة، يهم تحالف متحدون بما يمثّله من مودعين أن يردّ بحزم على ما جاء في بيان اتحاد نقابات موظفي المصارف وعلى لسان رئيسه جورج الحاج بالآتي:
أقلعوا عن “صب الزيت على النار” التي ستحرقكم أولاً إذا ما استمرّيتم في التستّر على الموبقات التي ترتكب يومياً في المصارف بحق أصحاب الودائع، وعن التلطّي وراء “خطة تعافي” من هنا و”كابيتال كونترول” من هناك كلها مرفوضة جملة وتفصيلاً ولا تعدو كونها مشاريع “عفوٍ مقنّع” عن سرقات أصحاب المصارف ومن يقف وراءهم لأرزاق الناس ليس إلا. فلن يعود عليكم كل ذلك سوى بوضع أنفسكم موضع المتواطئ مع المجرمين والشريك في الجرائم المرتكبة بحق المودعين والموصوم بوصمة عار ستلاحقه أينما حلّ. وأكثر من هذا، كفّوا عن السماح باستعمالكم “دروعاً بشرية” من قبل أصحاب المصارف الذين لا يعيرون صالحكم، كما لم يعيروا صالح المودعين الذين ائتمنوهم، أي اعتبار جدّي. فمواجهة الظلم المتمادي والمتفاقم واقعة واقعة وهي ستبلغ أشدّها؛ انأوا بأنفسكم عن الوقوف في صف الظالم على الأقل، إن لم تختاروا الوقوف في صف المظلوم. وألف تحية وتقدير لكل موظفي المصارف وشركات الأمن من أصحاب الضمير الذين تتواتر الأخبار الثابتة عن رفضهم الانصياع لإملاءات المصارف في نطاق بلديات معيّنة رغم ما يتلقونه من مغريات.